يستند التحسين المستمر كفلسفة إلى النزوع الدائم نحو الأفضل، ويُعد التحسين المستمر توأمًا يسير بالتوازي مع متطلبات الاستجابة للتغيير لكونه الثابت في الحياة، لذا يمكن النظر للتحسين كمرحلة لا نهاية معلومة لها بالنسبة للمنظمات التي تسعى للتنافس والفوز بالنصيب الأكبر من السوق، غير أن النظرة للتحسين تتباين في ضوء فلسفات وتطبيقات ونماذج الإدارة عمومًا[i]، وعليه فقد تعددت آراء الباحثين حول طبيعة العلاقة بين التحسين المستمر والمفاهيم الإدارية المرتبطة به، فمن ناحية تم اعتبار التحسين المستمر كجزء من إدارة الجودة[ii]، كما أشارت مجموعة من الدراسات إلى أنه غالبًا ما يندرج تطبيق التحسين المستمر ضمن التمهيد لنظم أكبر مثل الإدارة المرنة (Lean management) وإدارة الجودة الشاملة (TQM)[iii]، بينما أشارت دراسات أُخرى إلى أن التحسين المستمر ينطوي على عدة استراتيجيات وهي: إدارة لجودة الشاملة (TQM)، الستة سيجما (Six Sigma) والتصنيع المرن (Lean manufacturing)[iv]، كما أشارت الدراسات إلى وجود العديد من برامج أو منهجيات التحسين المستمر مثل: المفهوم المرن (Lean)، الستة سيجما (Six Sigma) والستة سيجما المرنة (Lean Six Sigma)[v] وفي دراسة ثانية: التصنيع المرن، الستة سيجما، الستة سيجما المرنة وبطاقة الأداء المتوازن (balanced scorecard)[vi]، وأشارت الدراسات أيضًا إلى أن التحسين المستمر ظهر بأشكال مختلفة في الكثير من المنظمات المختلفة، فمن جهة تم اعتبار التحسين المستمر كجزء لا يتجزأ من إدارة الجودة الشاملة، ومن ناحية أُخرى تم اعتباره كجزء من الفلسفة المرنة (Lean Philosophy)، بينما أشار باحثون آخرون إلى أن التحسين المستمر هو مسار مستقل بحد ذاته؛ حيث تم الإشارة للتحسين المستمر باعتباره مظلة (umbrella) لمجموعة واسعة من الأدوات والممارسات التي يمكن استخدامها لتحسين الأداء التصنيعي.[vii]

وهنا أشارت إحدى وجهات النظر إلى أن التحسين المستمر (كايزن)[viii] وإدارة الجودة الشاملة هما مفهومان مستقلان، ففي الأدبيات، تم التطرق إلى موضوع التحسين المستمر كعنصر هام من عناصر إدارة الجودة الشاملة، فالكايزن هو أحد النقاط المرجعية ضمن نقاط ديمنج ال14 لإدارة الجودة الشاملة؛ حيث أشار ديمنج إلى أن التحسين الثابت والدائم يحتاج إلى نوع من مناهج التحسين المستمر مثل كايزن، وعليه فإن كايزن هو مفهوم فرعي لإدارة الجودة الشاملة[ix]، أما بالنسبة للدراسات التي اعتبرت أن التحسين المستمر هو بمثابة “مظلة” للمفاهيم الأُخرى فهناك مساران شائعان للتحسين المستمر، الأول هو تحسين الإنتاجية المستمر (Continuous productivity improvement) الذي يتضمن مفهومي التفكير المرن (Lean thinking) ونظرية القيود (Theory of constrains)، والمسار الثاني هو تحسين الجودة المستمر (continuous quality improvement) والذي يتضمن مفهومي إدارة الجودة الشاملة (TQM) والستة سيجما، التفكير المرن ونظرية القيود لها تأثير أساسي على الإنتاجية وتأثير ثانوي على الجودة، وبالعكس فإن مفهومي إدارة الجودة الشاملة والستة سيجما لهما تأثير أساسي على الجودة وتأثير ثانوي على الإنتاجية. كذلك يمكن القول أن مفهومي نظرية القيود والستة سيجما تركز بشكل أساسي على العملية بينما يركز كل من المفهوم المرن وإدارة الجودة الشاملة على الثقافة. والشكل الآتي يوضح ما سبق:[x]
شكل رقم (1): تأثير وتركيز استراتيجيات التحسين المستمر

ومن الواضح أنه لكي تنجح أي منظمة فإن عليها أن تقوم بتحسين كُلًا من الجودة والإنتاجية، ومن ثم يجب عليها تضمين عناصر من كلا المفهومين. أيضًا فإن الاستراتيجية التي تركز على الثقافة تتطلب تمكين أكبر من قيادة المنظمة والقدرة والرغبة لتوزيع المعرفة، كما أن الاستراتيجية التي تركز على العملية تكون أسهل من ناحية امتلاكها لنمط قيادة توجيهي، ومن ثم فإن هذا الأسلوب يتطلب توصيل الإسهام بإجراءات وعمليات جديدة.[xi]
ومن خلال القيام بمراجعة الدراسات السابقة يتضح أن إدارة الجودة الشاملة هي المظلة التي تنطوي على العديد من المفاهيم مثل التحسين المستمر وتفرعاته ومفهوم (lean) وتفرعاته، وبدوره فإن التحسين المستمر ومفهوم (lean) تتضمن وتشترك بعدد كبير من الأدوات أو التقنيات أو الأساليب…الخ، كما هو موضح بالشكل الآتي:
شكل رقم (2): العلاقة بين التحسين المستمر والمفاهيم الأُخرى

نشأ مصطلح “التحسين المستمر” من المصطلح الياباني (كايزن) الذي تم تطويره من قبل ماساكي إماى الذي يُعتبر الأب الروحي للتحسين المستمر، وكلمة كايزن مكونة من قسمين: الأول (Kai) وتعني “التغيير” والثاني (Zen) وتعني “للأفضل”[xii]، وهو مفهوم ليس بالجديد؛ حيث تعود جذور المفهوم إلى فترة الثمانينات من القرن الماضي عندما عرّفه ماساكي إماى بأنه: التحسين التدريجي الذي يشمل الجميع[xiii]. وأشارت الدراسات إلى أن التحسين المستمر يمكن أن يكون تطوري أو ثوري؛ حيث يشير المفهوم التطوري إلى أن التحسينات تحصل نتيجة للتغييرات التدريجية المستمر، أما المفهوم الثاني (الثوري) فيشير إلى أن التحسينات الكبيرة تحصل كنتيجة لفكرة أو تكنولوجية مبتكرة، أو ببساطة كنتيجة للتحسينات التدريجية المتراكمة[xiv]. وتقسم ممارسات التحسين المستمر إلى أربعة بُنى (إدارة عليا، ثقافة، استراتيجية، أشخاص)؛ حيث يتطلب التحسين المستمر وجود دعم من الإدارة العُليا من خلال توفير الموارد الضرورية مثل الموارد المالية ومساحات العمل وغيرها مما يفسح المجال للتعاون الفعال بين العاملين، وإحدى سمات نجاح برنامج التحسين المستمر هي وجود ثقافة للتحسين والمشاركة الفعالة حيث يتم تشجيع جميع العاملين للإسهام في تحسين العمليات، كما يجب ربط أنشطة التحسين المستمر مع الأهداف الاستراتيجية للمنظمة، ويتضمن التحسين المستمر استخدام فرق عمل متعددة الوظائف أو جماعات عمل مؤقتة لحل المشاكل.[xv]

ولاحظ الباحث بعد الاطلاع على دراسات “مراجعة الأدبيات السابقة” وجود عدد كبير من التعريفات التي استخدمت للدلالة على التحسين المستمر، فمثلًا أشارت الدراسات السابقة إلى أن التحسين المستمر هو عملية ابتكار تدريجي مستمر وهادف ينتشر عبر المنظمة، كما يدل التحسين المستمر أيضًا إلى السعي الممنهج لإيجاد واستخدام أساليب تساعد على تحقيق تحسين العملية المستمر، وباعتباره يشكل العمود الفقري لإدارة الجودة والممارسات الابتكارية فإن التحسين المستمر هو الجهد المتواصل الذي يسمح للشركات الصناعية بالتركيز على بناء مستقبل باهر من خلال تحسين العمليات، المنتجات و/أو الخدمات عبر تحسينات تدريجية أو جذرية[xvi]، التحسين المستمر أيضًا هو عملية مُهيكلة –مستندة إلى المُعدِّة- تسعى إلى تحسين كفاءة الإنتاج عن طريق تحديد وإزالة الهدر والخسائر عبر دورة حياة نظام الإنتاج باستخدام مشاركة الموظفين –المستندة إلى فرق- عبر جميع مستويات الهيكل التنظيمي[xvii]، فثقافة التحسين المستمر تنطوي على التحسينات المستدامة التي تهدف إلى إزالة الهدر في جميع الأنظمة والعمليات التنظيمية، وتشمل جميع أعضاء المنظمة الذين يعملون معًا لتحقيق التحسينات مع تجنب استخدام استثمارات كبيرة قدر الإمكان.[xviii]
وقد أوردت دراسة سانشيز وبلانكو 2014 أهم التعريفات السابقة التي ظهرت في مرحلة تطوير مفهوم التحسين المستمر وفقًا لما يلي:
جدول رقم (1): أهم تعريفات التحسين المستمر
| المؤلف | التعريف |
| (Deming, 1982) | تحسين نظام الإنتاج والخدمة بشكل مستمر ودائم (المبدأ الخامس للتحول) |
| (Imai, 1989) | تحسين مستمر يشمل الجميع في الشركة (بمن فيهم العاملين والمدراء) |
| (Bessant et al, 1994) | عملية الابتكار التدريجي المركز والمستمر على مستوى الشركة |
| (Juergesen, 2000) | إسهامات التحسين التي تزيد النجاحات وتقلل الأخطاء |
| (Bessant et al, 2001) | حزمة محددة من الإجراءات التي يمكن أن تساعد المنظمة على تحسين ما تفعله في الوقت الحالي |
| (Dahlgaard et al, 2002) (Brunet and New, 2003) | تغييرات صغيرة مستمر للأنشطة المنتشرة والمستمر بشكل أفضل، خارج الأدوار التعاقدية الصريحة للمساهم، لتحديد وتحقيق مخرجات يؤمن بأنها تسهم في تحقيق الأهداف التنظيمية |
| (Boer and Gertsen, 2003) | العملية المخططة والمنظمة والمنهجية للتغيير المستمر والتدريجي على مستوى الشركة للممارسات الموجودة التي تهدف إلى تحسين أداء الشركة |
| (Chang, 2005) | دورة مكونة من: تأسيس متطلبات العميل، مقابلة المتطلبات، قياس النجاحات، والاستمرار بالتحقق من متطلبات العميل لإيجاد مجالات يمكن أن يتم بها التحسين |
| (Bhuiyan et al, 2006) | ثقافة التحسين المستدام التهي تهدف إلى إزالة الهدر في جميع النظم والعمليات التنظيمية، وتشمل جميع المشاركين في المنظمة |
| (Manos, 2007) | التحسينات الدقيقة والتدريجية المتحققة عبر الوقت |
وأشارت الدراسات إلى أنه وعلى الرغم من وجود اختلاف في تعريفات برامج التحسين المستمر إلا أن الهدف والغاية النهائية هي نفسها[xix]، فبغض النظر عن وجهات نظر الباحثين لتعريف التحسين المستمر، يمكن الإشارة إلى أن التحسين المستمر هو دورة (cycle) وليس مجرد فعل، أي أنه نشاط مستمر يجب القيام به عبر الوقت، فهو لا يجب أن يكون نشاط مستقل، وهنا يجب أن يشارك جميع الأشخاص في المنظمة في دورة التحسين المستمر، كما يجب على المنظمة في إطار التحسين المستمر أن تركز على إزالة الفواقد وتحديد مجالات جديدة للتحسين، وعليه يمكن القول أن التحسين المستمر هو عملية مستمرة للتحسين في الشركة يتم بالتشارك مع جميع العاملين[xx]، وفي هذه المقالة اعتمدنا على التعريف الشامل للتحسين المستمر الذي يعتبره أي مدخل أو برنامج يسعى باستمرار لتحسين جميع العمليات من خلال تحسين مستوى الجودة والتسليم والإنتاجية أو رضا العملاء أو انخفاض في المهل الزمنية، التكلفة والمعيب[xxi]. فعملية التحسين ليست بالعملية العشوائية؛ بل هي عملية لها عدة متطلبات ويواجهها عدة معوقات ويترتب على تطبيقها العديد من الفوائد[xxii].
المصادر
المصدر الأساسي للمقالة هو /الفرحان، مهند. (2022). دور تقنية التحسين المستمر في عملية التعلم التنظيمي: دراسة تطبيقية على قطاع صناعة الأجهزة الكهربائية. رسالة ماجستير، كلية التجارة – جامعة المنوفية./ يمكن الحصول على الرسالة بالضغط هنا.
[i] بكر، نادية عبد الخالق. (2016). مدخل التحسين المستمر (Kaizen) وأثره على أداء المنظمات (بالتطبيق على الشركة القابضة لكهرباء مصر). المجلة العربية للإدارة، 36 (1)، ص244.
[ii] Tavana, M. et al. (2021). An integrated fuzzy framework for analyzing barriers to the implementation of continuous improvement in manufacturing. International Journal of Quality & Reliability Management, 38(1), p18.
[iii] Sanchez, L. and. Blanco, B. (2014). OPCIT, p995.
[iv] Brown, A. et al. (2008). OPCIT, p542.
[v] Lizarelli, F. et al. (2019). Relationship between continuous improvement and innovation performance: an empirical study in Brazilian manufacturing companies. Total quality management and business excellence, p1.
[vi] Bhuiyan, N. and. Baghel, A. (2005). An overview of continuous improvement: from the past to the present. Management Decision, 43(5), p762.
[vii] Nordin, E. and. Dervisevic, S. (2015). OPCIT, p10.
[viii] كايزن أو (Kaizen) هي كلمة يابانية مكونة من قسمين، (كاي) وتعني التحسين أو التغيير، و(زن) وتعني للأفضل.
[ix] Singh, J. and. Singh, H. (2013). OPCIT, p83-84.
[x] Brown, A. et al. (2008). OPCIT, p543-548.
[xi] Brown, A. et al. (2008). Ibid, p549.
[xii] Sanchez, L. and. Blanco, B. (2014). OPCIT, p987.
[xiii] Sanchez, L. et al. (2019). Barriers to effectively implementing continuous improvement in Spanish firms. Total Quality Management & Business Excellence, p1.
[xiv] Bhuiyan, N. and. Baghel, A. (2005). OPCIT, p761.
[xv] Lizarelli, F. et al. (2019). OPCIT, p4-5.
[xvi] Tavana, M. et al. (2021). OPCIT, p118-137.
[xvii] Singh, J. and. Singh, H. (2013). OPCIT, p78.
[xviii] Bhuiyan, N. and. Baghel, A. (2005). OPCIT, p761.
[xix] Lizarelli, F. et al. (2019). OPCIT, p3.
[xx] Sanchez, L. and. Blanco, B. (2014). OPCIT, p987-988.
[xxi] Nazaruk, M. (2011). OPCIT, P 211.
[xxii] محمد، حسين علي. (2021). التحسين المستمر وعلاقته بالتميز في أداء العاملين (دراسة ميدانية). المجلة العلمية للدراسات التجارية والبيئية، جامعة قناة السويس، 12 (1)، ص523.




