عملية التعلم التنظيمي

عملية التعلم التنظيمي

تحدثنا في الأجزاء السابقة لهذه السلسلة عن مواضيع: التعلم التنظيمي، مستويات التعلم التنظيمي، نمط التعلم مفرد الحلقة، نمط التعلم ثنائي الحلقة. في هذه المقالة سنقوم بإنهاء السلسلة من خلال الحديث عن موضوع عملية التعلم التنظيمي وأهم نماذجها التي ذكرتها الدراسات السابقة.

عملية التعلم التنظيمي

يجب على الإدارة إيلاء المزيد من الاهتمام بعملية تدفق المعلومات المنتشرة داخل الشركة وذلك بهدف تعظيم نتائج التعلم التنظيمي داخل الشركة، ويمكن القيام بذلك من خلال تحديد وتنفيذ خطة تدفق معلومات منسقة ومناسبة داخل الشركة، ومن ثم توزيع المعلومات بفعالية وبالتساوي لجميع الموظفين مما يساعدهم على التصرف بانسجام وتناغم مع السياسات الموضوعة من قبل الشركة[1]، وقد زودتنا أبحاث التعلم التنظيمي ببصائر حول العمليات التي يمكن للتعلم أن يحدث من خلالها والتي بدورها تساعدنا على فهم الانحرافات الملاحظة في معدلات التعلم في الشركات[2]؛ حيث تعددت النماذج والأطر التي وضعها الباحثين لعملية التعلم التنظيمي، والجدول الآتي يعرض أهم النماذج التي اطلع عليها الباحث بعد مراجعة عدد كبير من الدراسات السابقة:

عروض أمازون

جدول رقم (1): أهم نماذج عملية التعلم التنظيمي في الدراسات السابقة

اسم الدراسةعناصر عملية التعلم التنظيمي
Huber, 1991اكتساب المعرفة، توزيع المعلومات، تفسير المعلومات، الذاكرة التنظيمية
Slater and Nerver, 1995اكتساب المعلومات، نشر المعلومات، التفسير المشترك
Martinez and Martinez, 2011اكتساب المعلومات، توزيع المعلومات، التفسير المشترك، الذاكرة التنظيمية
Argote et al, 2020البحث، خلق المعرفة، الاحتفاظ بالمعرفة، تحويل المعرفة
Scipioni et al, 2021خلق المعرفة، تحويل المعرفة، تخزين المعرفة
Kaur and Hirudayanaj, 2021نموذج (4I) (Crossan et al, 1999): (الحدس، التفسير، التكامل، المأسسة)
المصدر: الفرحان، مهند. (2022). دور تقنية التحسين المستمر في عملية التعلم التنظيمي: دراسة تطبيقية على قطاع صناعة الأجهزة الهربائية. رسالة ماجستير، كلية التجارة – جامعة المنوفية.

1- نظرية تشكيل وتحويل المعرفة التنظيمية

قبل أن نبدأ بشرح النماذج السابقة، سنقوم بتوضيح نظرية تشكيل وتحويل المعرفة التنظيمية، والتي تتضمن عملية الانتقال من المعرفة الضمنية إلى المعرفة الصريحة فالمعرفة الضمنية وهكذا. حيث أشارت الدراسات إلى أن التفاعل بين المعرفة الضمنية والمعرفة الصريحة ينتج عنه تشكيل معرفة جديدة (المرحلة الأولى لعملية التعلم التنظيمي)، وهذا التفاعل يكون على شكل عملية حلزونية مستمرة ينتج عنها أربعة أنماط للتحولات كما هو موضح في الشكل التالي:

شكل رقم (1): عملية تشكيل المعرفة

الانتقال من المعرفة الضمنية للمعرفة الصريحة
المصدر: (Nonaka and Konno, 1998)

الاجتماعية/التفاعل الاجتماعي (Socialization): يقصد بها التفاعلات بين الأفراد والتي تؤدي إلى تشارك المعارف الضمنية، وهنا يتم نقل المعارف الضمنية بدون استخدام اللغة؛ حيث يمكن ذلك مثلًا من خلال الملاحظة والتقليد والممارسة[3] الناتجة عن الأنشطة المشتركة مثل قيام الأفراد بقضاء الوقت مع بعضهم أو العمل في نفس البيئة لوقت طويل مما يساعدهم على فهم طرق الآخرين في التفكير والشعور[4]. وهنا لا يوجد أي معرفة صريحة كما أن المعرفة هنا لا يمكن توظيفها بسهولة من قبل المنظمة بأكملها[5].

التخريج (Externalization): يتضمن تحويل المعرفة الضمنية إلى معرفة صريحة من خلال التعبير عن المعرفة الضمنية وترجمتها إلى أشكال مفهومة من قبل الآخرين، وهذا يتطلب تقنيات للتعبير عن الأفكار أو الصور على شكل كلمات، مفاهيم، والترميز اللغوي (العبارات المجازية، التشبيهات، الروايات والتصويرات)[6]، فالتخريج يتضمن ترجمة المعرفة المهنية الفردية أو المتخصصة إلى شكل صريح[7].

المزج (Combination): يتم تحويل المعرفة الصريحة إلى مستوى أعلى وأكثر تعقيدًا من خلال إعادة مزج وتصنيف مفردات المعرفة الصريحة الموجودة لدى مختلف الأفراد، وهنا قد يتم مزج المعرفة الداخلية للأفراد مع المعرفة الموجودة في المصادر الخارجية، وعادة ما ينطوي المزج على نشر المعرفة بين أعضاء المنظمة بمختلف الوسائل مثل الاجتماعات أو شبكات الاتصالات المحوسبة[8].

الاستيعاب (Internalization): هنا يتم تحويل المعرفة الصريحة إلى معرفة تنظيمية ضمنية[9]؛ حيث يقوم الأفراد بتجميع المعرفة الصريحة التي يرون أنها مرتبطة بنطاق عملهم، ومن ثم يقومون بتوسيع وإعادة تشكيل معرفتهم الضمنية بمساعدة من الخبرات الموثقة واللفظية التي تساعد على استيعاب المعرفة[10].

وكما ذكرنا فإن العناصر السابقة ينتج عنها خلق معرفة جديدة والتي تُعتبر المرحلة الأولى لعملية التعلم التنظيمي.

2- نماذج عملية التعلم التنظيمي

في السطور الآتية سنقوم بتوضيح أهم نماذج عملية التعلم التنظيمي الواردة في الدراسات السابقة.

دراسة (Huber, 1991): قام جورج هيوبر باقتراح نموذج مكون من أربعة مراحل، وذلك بعد مراجعة الأدبيات المتعلقة بالتعلم التنظيمي، وهذه المراحل هي:[11]

اكتساب المعرفة (Knowledge Acquisition): عندما تصبح الفجوة بين المنظمة وبيئتها كبيرة جدًا، فالمنظمة في هذه الحالة إما ستفشل في البقاء، أو ستُجبر على إجراء تحوُّل مكلف، ولتجنُّب ذلك تقوم المنظمات بعملية مسح مستمرة لبيئتها للحصول على معلومات حول أي تغييرات تحدث في البيئة، كما أشار (Huber) إلى مصطلح استخبارات الشركة (Corporate Intelligence)، وهو تعبير ارتبط بفكرة البحث عن المعلومات حول المنافسين وكيفية عملهم، ويمكن اكتساب هذه المعلومات بعدة وسائل منها: الخدمات الاستشارية، الاجتماعات، المعارض التجارية، المنشورات، والباعة والمجهزون وغيرها من الوسائل، كم يمكن للمنظمة الحصول على المعرفة من خلال إعادة تشكيل ما لديها من مخزون معرفي، وغالبًا ما تُفضي عملية تنقيح البنى المعرفية المتراكمة لدى المنظمة إلى إكساب المنظمة معارف جديدة.

توزيع المعلومات (Information Distribution): تعتبر عملية توزيع المعلومات إحدى المحددات الأساسية لحدوث واتساع التعلم التنظيمي، فعندما يتم توزيع المعلومات على نطاق واسع في المنظمة، ومع وجود مصادر متنوعة بشكل كبير لهذه المعلومات، سيكون من الممكن استرجاع المعلومات بشكل ناجح، وستزداد احتمالية قدرة الأفراد والوحدات على التعلم، فعملية توزيع المعلومات تؤدي إلى حدوث التعلم التنظيمي على نطاق أوسع.

تفسير المعلومات (Information Interpretation): هي العملية التي يتم من خلالها إعطاء معنى للمعلومات، وهي عملية ترجمة الأحداث وتطوير المفاهيم المشتركة، فالمزيد من التعلم التنظيمي سوف يحدث عندما يتم وضع المزيد والمزيد من التفسيرات المتنوعة، فحجم التعلم سوف يزداد كلما استطاعت المنظمة والعاملون فيها تقديم تفسيرات عديدة للمعلومات المتاحة.

الذاكرة التنظيمية (Organizational Memory): تشير الدراسات إلى أن معدل دوران الموظفين يخلق خسارة كبيرة في المكونات البشرية لذاكرة المنظمة، وكذلك عدم توقع الحاجات المستقبلية للمعلومات المطلوبة سوف يؤدي إلى عدم تخزين كمية كبيرة من المعلومات نهائيًا، أو عدم تخزينها بطريقة تُمكِّن من استرجاعها بسهولة، بالإضافة إلى أن أعضاء المنظمة في كثير من الأحيان لا يعرفون أماكن تواجد المعلومات التي يحتاجونها والتي تكون موجودة عند/أو تم تخزينها من قبل أعضاء آخرين في المنظمة، وقد ناقش (Huber) الذاكرة التنظيمية ضمن فكرتين أساسيتين:

تخزين واسترجاع المعلومات: تقوم المنظمات بتخزين قدر كبير من المعلومات الصعبة (Hard)* بشكل روتيني، ويتم ذلك لأسباب تشغيلية أحيانًا، أو لتلبية طلبات التقارير من وحدات أو منظمات أُخرى؛ حيث يتم تخزين قدر كبير من المعرفة التنظيمية حول كيفية القيام بالأمور على شكل إجراءات تشغيل موحَّدة، أو نصوص برمجية وغيرها، كما يقوم المديرون والعاملون بالحصول على وتخزين المعلومات بشكل ليِّن (Soft) *، أما عملية استرجاع هذه المعلومات (خصوصًا الصعبة) فهي مرتبطة بشكل أساسي بإدخال أجهزة الحاسوب كجزء أساسي من الذاكرة التنظيمية للمنظمة.

الذاكرة التنظيمية المعتمدة على الحاسوب: إن عملية الالتقاط التلقائي والاستعادة المتقدمة للمعلومات تتمثل بالذاكرة التنظيمية المعتمدة على الحاسوب، والتي تتميز غالبًا بالدقة والكمال بحيث تتفوق على المكونات البشرية للذاكرة التنظيمية، فالمعلومات اللازمة لتوظيف أو تدريب أنواع مختلفة من الموظفين، أو تقديم أنواع مختلفة من الخدمات، بالإضافة إلى المعلومات التي تنتقل داخليًا باستخدام البريد الالكتروني للمنظمة، أو لوحة الإعلانات الالكترونية، أو المعلومات التي يتم تبادلها خارج حدود المنظمة، تكون في الغالب موجودة في أجهزة الحاسوب.

وأخيرًا فإن العمليات السابقة للتعلم التنظيمي (اكتساب المعرفة، توزيع وتفسير المعلومات) تعتمد بشكل كامل على الذاكرة التنظيمية.

كتاب مقدمة في نظرية التوازن

دراسة (Slater and Narver, 1995): أشارت هذه الدراسة إلى أن التعلم التنظيمي هو عملية مكونة من ثلاث خطوات وهي:[12]

الحصول على المعلومات: والتي يمكن الحصول عليها من التجربة المباشرة للمنظمة أو تجارب المنظمات الأخرى أو الذاكرة التنظيمية والتي تم اعتبارها مكون هام في هذا العصر الذي يتسم بزيادة الحاجة إلى إعادة الهيكلة والاعتماد على العاملين المؤقتين أو المتعاقدين، فمن المهم أن يتم ترميز أو تسجيل المعلومات المهمة داخل نظم المعلومات، إجراءات التشغيل، أوراق العمل، رسالة المنظمة، الروتينيات أو القصص التنظيمية.

نشر المعلومات: يمكن تمييز التعلم التنظيمي عن التعلم الشخصي (personal learning) من خلال نشر المعلومات والقيام بالتفسير (التنظيمي) لها.

التفسير المشترك: أشار الباحثين إلى أنه يجب التأكد من أن جميع المعلومات تم أخذها بالاعتبار، ولتحقيق ذلك يجب على المنظمة أن توفر منتديات للنقاش وتبادل المعلومات، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال مواقع الاتصال، الأدوار المتكاملة، التواصل وجهًا لوجه خلال اللقاءات والمهام المشتركة، وكذلك استخدام تكنولوجيا المعلومات لتشكيل واجهات اعلانات تنظيمية حول مواضيع مثل النشاطات التنافسية وتطوير التكنولوجيا.

والشكل الآتي يوضح عملية التعلم التنظيمي والحدود التي تجعل التعلم مقتصرًا على النوع التكيفي للتعلم، كما تشير الأسهم إلى أن التعلم التوليدي يتطلب تطوير المعرفة للوصول إلى مناطق خارج حدود التعلم التكيفي أو طرق جديدة لتفسير المعلومات.

شكل رقم (2): نموذج عملية التعلم التنظيمي الوارد في دراسة (Slater and Nerver, 1995)

أنماط وعملية التعلم التنظيمي
المصدر: (Slater and Nerver, 1995)

دراسة (Martinez-Leon and Martinez-Garcia, 2011): قام الباحثان في هذه الدراسة بمناقشة العديد من الدراسات السابقة حول موضوع عملية التعلم التنظيمي مع التأكيد على دراستي (Huber, 1991) و(Slater and Nerver, 1995)؛ حيث أشاروا إلى أن معظم الدراسات السابقة اهتمت باكتساب المعلومات وليس اكتساب المعرفة، فالمنظمات تقوم باكتساب المعلومات لتحويلها إلى معرفة عبر عملية التعلم، وعليه يمكن استبدال مصطلح “اكتساب المعرفة” الذي اقترحه (Huber, 1991) بمصطلح “اكتساب المعلومات”، ومن ثم يمكن القول أن عملية التعلم التنظيمي تتكون من أربعة أبعاد أو مراحل وهي: [13]

اكتساب المعلومات: العملية التي يتم من خلالها تجميع المعلومات من المصادر الداخلية والخارجية (العملاء، الأسواق، التكنولوجيا، المنافسين والتجارب المباشرة). تتضمن هذه العملية البحث عن المعلومات في كُلًّا من البيئة التنظيمية والذاكرة مما ينتج عنه تخزين المعلومات الجديدة في الذاكرة الفعالة/العاملة (working memory).

توزيع المعلومات: العملية التي يتم من خلالها نشر المعلومات (من عدة مصادر) عبر أفراد المنظمة (الوحدات الفردية والوظيفية، عبر قنوات رمية وغير رسمية) مما يقود إلى معلومات أو فهم جديد.

التفسير المشترك: العملية التي يتم من خلالها إعطاء المعلومات الموزعة عدة تفسيرات مفهومة وشائعة مما يؤدي إلى تشكيل معرفة، وهنا يتم إعطاء معاني للمعلومات، ترجمة الأحداث وتطوير الفهم المشترك، وهذه هي المرحلة الأساسية لاكتساب وتفسيرات المعلومات مستقبلًا، تشكيل نماذج للفهم والحصول على المعاني.

الذاكرة التنظيمية: هي الوسيلة التي يتم من خلالها الاحتفاظ بالمعرفة لاستخدامها مستقبلًا إما في أنظمة المنظمة المصممة خصيصًا أو عبر القواعد، الإجراءات والنظم.

دراسة (Argote et al, 2020): أشارت هذه الدراسة إلى أن عملية التعلم التنظيمي تتضمن كلًا من: البحث، خلق المعرفة، الاحتفاظ بالمعرفة، تحويل المعرفة. يمكن أن يتم البحث داخل أو خارج المنظمة وهو يهدف إلى إيجاد البدائل ونتائجها، ويشير مصطلح “البحث” إما إلى تكرير (تنقية) المعرفة الموجودة (Knowledge Refining) ويدعى بالاستغلال (Exploitation) أو إلى تطوير معرفة جديدة ويدعى بالاستكشاف (Exploration). وعليه يكون هناك بعدين للبحث وهما: عمق البحث (Search Depth) والذي يشير إلى عدد مرات استخدام المعرفة الموجودة، ونطاق البحث (Search Scope) والذي يشير إلى مدى اكتشاف المنظمة للمعارف الجديدة، وعملية البحث متداخلة مع كلًا من تشكيل وتحويل المعرفة. أما بالنسبة لعملية خلق المعرفة فهي تعتبر عنصرًا جوهريًا في التعلم التنظيمي؛ حيث يمكن للوحدة التنظيمية أن تشكل معرفة من خبرتها الخاصة أو عبر خبرة الوحدات الأُخرى، وهنا يمكن أن تحصل المنظمات على معرفة عندما تقوم بتنفيذ مهمة ما؛ حيث يتعلم أعضاء المنظمة كيفية أداء مهامهم الفردية بأفضل طريقة ويتعلمون من هو الأمثل لتنفيذ مهمة معينة، يتم معايرة (calibrated) الأدوات، يتم صقل (Refined) (استبعاد كل شيء غير مناسب) الروتين والهياكل، ثم يفسر الأعضاء ما إذا كان أداء المهمة ناجحًا أو فاشلًا، وعليه فإن أداء مهمة معينة يؤدي إلى خلق معرفة جديدة في المنظمة. ويتضمن الاحتفاظ بالمعرفة تضمين المعرفة في مستودع (ويشمل ذلك الأفراد والروتينيات والتجهيزات)، والمعرفة الموجودة داخل مستودعات المعرفة يمكن أن تؤثر على الأداء المستقبلي للمنظمة، فمثلًا، مع الخبرة، يمكن للوحدة التنظيمية أن تطور معرفة حول “من” يعرف “ماذا”، وعندما يعلم أعضاء المنظمة من سيستشيرون لحل المشاكل، يصبح أداء المهمة أسرع، وعليه، تقود الخبرة إلى معرفة “من” يعرف “ماذا” والتي تغير الوحدة التنظيمية وتحسن الأداء المستقبلي. وأشار الباحثين إلى أن المعرفة التي يتم الحصول عليها خلال التعلم قد لا تستمر طويلًا، فالمعرفة قد تتراكم أو تتناقص مع الزمن، وهنا أشار الباحثين إلى مصطلح التناقص أو الاضمحلال (Depreciated) للإشارة إلى اضمحلال (Decay) المعرفة على المستوى التنظيمي، كما أشاروا إلى مصطلح النسيان (Forgetting) للإشارة إلى اضمحلال المعرفة على المستوى الفردي (قد يكون غير مقصود عندما لا تقوم المنظمة بتضمين المعرفة في الذاكرة التنظيمية، أو مقصود عندما تقوم المنظمة بشكل مقصود باستبعاد المعرفة التي أصبحت غير مناسبة او غير مفيدة أو عندما تفشل المنظمة بشكل مقصود في تضمين المعرفة في الذاكرة التنظيمية)، واضمحلال المعرفة على المستوى الفردي يمكن أن يسهم باضمحلال المعرفة على المستوى التنظيمي الذي يتأثر أيضًا بالعديد من العوامل الأُخرى مثل: الهيكل، الثقافة، الهوية، المنافسين، درجة التنظيم، معدل دوران الموظفين، التكنولوجيا وغيرها، وقد ذكر الباحثين _ كمثال على ذلك_ مقارنة بين ثلاثة مستودعات يمكن تضمين المعرفة فيها (التكنولوجيا، الروتين، الأفراد)؛ حيث أشار الباحثون إلى أن المعرفة التي يتم تضمينها في التكنولوجيا كانت الأقل تناقصًا مع الزمن ثم يليها المعرفة المضمنة في الروتين وأخيرًا المعرفة المضمنة لدى الأفراد. وهنا يجب تخزين المعرفة التي يتم الحصول عليها نتيجة التعلم بما يعرف بمستودعات المعرفة (Knowledge Repertories) والتي تشمل الموظفين الأفراد، عمليات وروتينيات المنظمة، أدواتها، ثقافتها، نظام الذاكرة المتحول (من يعرف ماذا)، فالمعرفة التي يتم الحصول عليها نتيجة التعلم يمكن تضمينها لدى الموظفين مثل المدراء أو القادة، المهندسين وموظفي الدعم الفني وعمال الخط الأول. ولكي يتحول التعلم إلى تعلم تنظيمي يجب تضمين المعرفة التي حصل عليها فرد ما في مستودعات فوق-فردية (Supra-Individual) مثل الروتينيات والأدوات وغيرها، وهذا بدوره يؤدي إلى ترسيخ المعرفة في المنظمة حتى لو غادر الفرد. وأخيرًا يمكن تحويل المعرفة عبر عدة آليات مثل: توظيف العاملين، الهندسة العكسية للمنتجات، الحصول على المعرفة من الموردين والبائعين والمستشارين والمؤتمرات والمنشورات العلمية وبراءات الاختراع؛ حيث أشار الباحثين إلى أن الأفراد عنصر هام من عناصر تحويل المعرفة، وكذلك الأدوات وما تتضمنه من نظم تكنولوجيا المعلومات (نظم إدارة المعرفة، المستودعات الرقمية، وسائل التواصل الاجتماعي)، يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في عملية تحويل المعرفة عبر الحدود التنظيمية والزمنية والجغرافية[14].

دراسة (Scipioni et al, 2021): أشار الباحثون في هذه الدراسة إلى أن عملية التعلم التنظيمي تشمل عمليات خلق المعرفة، تحويل المعرفة وتخزين المعرفة، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:

بالنسبة لعملية خلق المعرفة فقد أشارت الدراسات السابقة إلى أن أنشطة التعلم التنظيمي تسعى لخلق معرفة جديدة ضمن المنظمات باستخدام كُلًّا من المصادر الخارجية (أنشطة المقارنة المرجعية مع المنافسين، استخدام الاستشارات وشركات الخدمات الاحترافية) والمصادر الداخلية (العصف الذهني، المحاكاة، التدوير الوظيفي وأنشطة التعلم بالممارسة) التي تُستخدم لتوليد الأفكار وتشكيل المقترحات وتوضيح (شرح) العمليات الداخلية.، ومن ثم تأتي عملية تحويل المعرفة التي تتضمن عدة تشكيلات للجماعات التنظيمية التي تسمح بحدوث عمليات التعلم (في مختلف المستويات)، وهنا يمكن الإشارة إلى ما يسمى “مجتمع الممارسة” (Community of Practice CoP) الذي يحفز على تحويل المعرفة، وهو يتمثل بمجموعات من الأشخاص الذين تجمعهم الثقة والهوية المشتركة، والذين يتشاركون الاهتمامات والمشاكل ويزيدون من معارفهم من خلال التصرف وفقًا لأسس متعارف عليها، وأحيانًا يظهر المجتمع السابق بالتوازي مع جماعات العمل الرسمية وفرق المشاريع التي تُشكل سياقات أخرى لتحويل المعرفة، كما يتم استخدام أنشطة اضافية (التمرين والتدريب والمحاضرات والاجتماعات ومشاريع البحث والتطوير بالتعاون مع الجامعات والمراكز البحثية والمنظمات الشريكة) على نطاق واسع لنشر المعارف داخل وخارج الحدود التنظيمية. أما عملية الاحتفاظ بالمعرفة فتشير إلى العمليات التي تهدف إلى استقبال وإعادة استخدام المعرفة في المستوى التنظيمي، وذلك باستخدام عمليات محددة (مثل حل المشاكل والتعلم من التجارب السابقة وأفضل الممارسات داخل وخارج السياق التنظيمي) تنتقل عبر مستويات التعلم التنظيمي[15]. ويوضح الجدول الآتي عملية التعلم التنظيمي وفقًا للنموذج السابق:

جدول رقم (2): نموذج عملية التعلم التنظيمي الوارد في دراسة (Scipioni et al, 2021)

عملية التعلم التنظيمي
خلق المعرفةتحويل المعرفةتخزين المعرفة
الاستشارات، شركات الخدمات الاحترافية، المحاكاة، التدوير الوظيفي، التعلم بالممارسة، العصف الذهني، المقارنة المرجعيةمجتمع الممارسة، التمرين/التدريب، جماعات العمل، فرق المشاريع، الاجتماعات/المحاضرات، مشاريع البحث والتطوير مع الجامعات والمراكز البحثية والمنظمات الشريكةرسم الخرائط المعرفية، رسم خرائط العمليات، حل المشاكل، التحليل الشبكي، أفضل الممارسات، الدروس المتعلمة
المصدر: (Scipioni et al, 2021)

نموذج (4I): تم اقتراح هذا النموذج للتعلم من قِبل ماري كروسان وآخرون 1999، وقام (Kaur and Hirudayaraj, 2021) بتلخيصها في دراستهم؛ حيث أشاروا إلى أن إطار (4I) يستند على أساس العمليات الفرعية للتعلم التي ينتج عنها خلق واسترجاع المعرفة داخل نظام المنظمة المتعلمة. تتضمن العمليات الفرعية: الحدس (Intuition)، التفسير (Interpretation)، التكامل (Integration) والمأسسة (إضفاء الطابع المؤسسي) (Institutionalization). يتم الحدس في المستوى الفردي عندما يحاول الأفراد التعرف على الأنماط داخل تجاربهم الشخصية (التي تشكل الأساس لتصرفاتهم وأدائهم). يتولد الحدس في العقل الباطن (اللاواعي)، ومن ثم فهو يعتمد على غزارة تجارب الفرد، وهنا لا توجد حاجة للمداولات (deliberation) واتخاذ القرارات المخطط لها. فشعور ما يجب القيام به في موقف معين يظهر بشكل طبيعي للفرد الذي غالبًا ما واجه مواقف مشابهة في الماضي. بكل الأحوال تبقى المعلومات في هذه المرحلة ضمنية (tacit) وتحتاج إلى استعارات (metaphors) تساعد في تحويل البصيرة البديهية إلى فهم مشترك. ثم ننتقل إلى مرحلة التفسير التي تسمح بإحداث تغيير في التصرفات وكذلك فهم المعلومات المخزنة في العقل الباطن حيث يبدأ الأفراد بتطوير خرائط معرفية حول العناصر الواعية. وبالتالي فالعملية انتقلت من مرحلة اللاوعي وبدأت بالتأثر بالسياق البيئي. وهنا قد يتجاوب مختلف الأشخاص مع المحفزات بشكل مختلف وهذا ما يؤدي إلى نشوء عدة تفسيرات لنفس الظاهرة. هذه التفسيرات الغامضة يتم حلها بشكل أفضل عبر الترسيخ الجماعي (group integration). أما الترسيخ أو التكامل فهي عملية جماعية تتضمن الحوارات والاجتماعات والمحادثات التي تسمح للأفراد بالمناقشة وإجراء تعديلات متبادلة والتفاوض على التفسيرات الحالية. وأخيرًا ننتقل إلى المأسسة التي تعتبر العملية الفرعية الأخيرة عندما تبدأ أنماط التفاعلات والاتصالات بالتحول إلى شكل توثيق، روتينيات وممارسات. وهنا يتم استثمار المعرفة التي تم تطويرها من خلال الحدس والتفسير والتكامل في البنية التحتية ونظم المعلومات. أيضًا يمكن القول أن تدفق المعرفة من الحدس إلى التفسير ومن التفسير إلى التكامل يستخدم آلية الابتكار والإبداع (معروفة بعملية الاستكشاف)، بينما انتقال المعرفة من التكامل إلى المأسسة ومن المأسسة رجوعًا إلى الحدس تستخدم الروتين، تحويل المعرفة والتكيف التدريجي (معروفة بعملية التسخير أو الاستغلال)[16]، وهنا أكد الكثير من الباحثين على ضرورة الموازنة بين التعلم الاستكشافي والتعلم الاستغلالي، ومن ثم يستطيع المدراء التحكم بمستوى الاستكشاف والاستغلال تبعًا لرؤية ورسالة المنظمة[17].

ولو ربطنا الأفكار السابقة مع مستويات التعلم التنظيمي يمكن القول أن الأفراد يتعلمون عبر الحدس، وهو عملية التعرف على الأنماط المألوفة من التجارب السابقة، بعدها يرتبط الأفراد بالفرق عبر عملية التفسير التي تتضمن إعطاء معنى للمعارف الجديدة وإعادة تشكيلها عبر الجهود الفردية والجماعية باستخدام الاستعارات، الصور واللغة. بعدها يحدث التعلم على مستوى الفريق عبر عملية الدمج أو التكامل التي تستلزم تطوير الفهم المشترك من خلال العمل الجماعي، الحوارات، الممارسات والتعديلات المشتركة، ثم يحدث التعلم على المستوى التنظيمي عبر عملية المأسسة التي تشمل تضمين التعلم الفردي والجماعي في منظومات المنظمة وهياكلها واستراتيجياتها وإجراءاتها وممارساتها التي تساعد على تحقيق المنفعة الجماعية[18]. ويعبر الشكل التالي عن مستويات وعناصر التعلم التنظيمي كعملية ديناميكية:

شكل رقم (3): التعلم التنظيمي كعملية ديناميكية

مستويات وعملية التعلم التنظيمي
المصدر: (Crossan et al, 1999)
المنشورات العلمية

المصادر

المصدر الأساسي للمقالة هو /الفرحان، مهند. (2022). دور تقنية التحسين المستمر في عملية التعلم التنظيمي: دراسة تطبيقية على قطاع صناعة الأجهزة الكهربائية. رسالة ماجستير، كلية التجارة – جامعة المنوفية./ يمكن الحصول على الرسالة بالضغط هنا.

[1] Wiyana, K. and Sriathi, A. (2021). The effect of organizational learning on employee performance mediated by organizational commitment (Study at PT. Agung Jaya International). American journal of humanities and social sciences research, 5(1).

[2] Argote, L. et al. (2020). Organizational learning processes and outcomes: Major findings and future research directions. Management Science, Articles in Advance.

[3] Nonaka, I. (2018). A dynamic theory of organizational knowledge creation. Organization Science, 5(1).

[4] Nonaka, I. and Konno, N. (1998). The concept of “Ba”: Building a foundation for knowledge creation. California management review, 40(3).

[5] Basten, D. and Haamann, T. (2018). Approaches for organizational learning: A literature review. SAGE Open.

[6] Nonaka, I. and Konno, N. (1998). OPCIT.

[7] Basten, D. and Haamann, T. (2018). Approaches for organizational learning: A literature review. SAGE Open.

[8] Basten, D. and Haamann, T. (2018). Ibid.

[9] Nonaka, I. and Konno, N. (1998). OPCIT.

[10] Basten, D. and Haamann, T. (2018). OPCIT.

[11]– Huber, G. (1991). Organizational Learning: The Contributing Processes and the Literature. Organization Science, 2(1).

* المعلومات الصعبة (Hard) غالباً ما يتم تخزينها على شكل أرقام مثل (البيانات المالية، أوقات الدفع، عوائد الأسهم)، ويمكن استرجاعها بسهولة، أما المعلومات اللينة (Soft) غالباً ما تكون على شكل نصوص مثل (الآراء والأفكار والشائعات والتوقعات الاقتصادية وخطط الإدارة المستقبلية وغيرها).(راجع: Mitchell Petersen, 2004, Information: Hard and Soft, p6.)

[12] Slater, F. and. Nerver, C. (1995). Market orientation and learning organization. Journal of marketing.

[13] Martinez-Leon, I. and Martinez-Garcia, J. (2011). The influence of organizational structure on organizational learning. International journal of manpower, 32(5/6).

[14] Argote, L. et al. (2020). OPCIT. (بتصرف من الباحث)

[15] Scipioni, S. et al. (2021). From barriers to enablers: The role of organizational learning in transitioning SMEs into the circular economy. Sustainability, 13(1021).

[16] Kaur, N. and Hirudavaraj, M. (2021). The role of leader emotional intelligence in organizational learning: A literature review using 4I framework. New horizons in adult education & human resource development, 33(1).

[17] Patky, J. (2020). ). The influence of organizational learning on performance and innovation: a literature review. journal of workplace learning, 32(3).

[18] Wiewiora, A. et al. (2020). Individual, project and organizational learning flows within a global project-based organization: exploring what, how and who. International journal of project management, (38).

لإعادة قراءة سلسلة التعلم التنظيمي كاملة:

subscribe logo-شعار نموذج التواصل

يمكن الاشتراك لتلقي آخر التدوينات فور نشرها بالإضافة إلى تحميل جميع محتويات المدونة الحالية عبر ملف مضغوط واحد:

*-يُرجى تفقد البريد الوارد أو البريد غير الهام والاشتراك لمتابعة المدونة، بعدها سيتم إرسال جميع محتويات المدونة برابط عبر البريد الإلكتروني المسجل به.

FLANKER internet content provider

فلانكر لإمداد مواقع الانترنت بالمحتويات هي شركة متعددة الخدمات مقرها واحة دبي للسيليكون، نحن نقدم مجموعة واسعة من الخدمات التي تشمل:
-تصميم وإدارة مواقع الويب وتزويدها بالمحتوى.
-تحسين محركات البحث (SEO).
-إعداد الكتب ومختلف المنشورات للنشر الورقي والإلكتروني.
-التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتدوين.