سنتحدث في هذه السلسلة المكونة من خمسة مقالات عن موضوع التعلم التنظيمي، حيث سنقوم بتوضيح مفهوم التعلم التنظيمي، مستويات التعلم التنظيمي، نمط التعلم مفرد الحلقة، نمط التعلم ثنائي الحلقة، عملية التعلم التنظيمي.
مفهوم التعلم التنظيمي
ينتج التعلم عن التغير في كلًا من المعرفة والسلوك، وهو ما يشار إليه بالتعلم المتكامل (integrated learning)، وعندما لا يحدث أي تغيير في المعرفة والسلوك فلن يكون هناك تعلم. وهناك حالات يحدث فيها تغيير في أحد بعدي التعلم دون تغيير في البعد الآخر، فمثلًا يعتمد نظام التعليم على ما يسمى بالتعلم الاستباقي (anticipatory learning)، أي يأتي الفهم قبل الفعل أي التغير المعرفي قبل التغير السلوكي، والذي قد يتحول لاحقًا إلى تعلم متكامل عندما يحدث تغيير في السلوك نتيجة للتغير المعرفي، أما لو لم ينتج عن التغير المعرفي أي تغير في السلوك أي التعلم غير المكتمل (blocked learning) فستعود الحالة إلى المربع الأول ولن يكون هناك تعلم متكامل. ومن ناحية أُخرى فإن العديد من التغييرات التنظيمية تعتمد على التعلم القسري (forced learning) من خلال نظم اللوائح أو الحوافز التي قد تؤثر على التصرفات وليس على الفهم، وعندما يتم إزالة هذه النظم فغالبًا ما تعود الحالة إلى وضعها السابق. وعلى العكس، التعلم التجريبي (experimental learning) يتضمن قيام الفرد بتجميد تصوراته في مسعى لتجريب أشياء جديدة، وهذا التعلم قد ينتقل إلى تعلم متكامل لاحقًا إذا حصل تغير معرفي نتيجة للتغير السلوكي.[1] والشكل الآتي يوضح ما سبق:
شكل رقم (1): المعرفة، السلوك، التعلم


وقد اكتشف علماء النفس منحنيات[2] التعلم (Learning Curves) في المستوى الفردي منذ أكثر من 100 سنة ماضية[3]، ويمكن القول أن النقاشات الأولى حول التعلم التنظيمي (Organizational Learning) تعود إلى فترة الستينات من القرن الماضي وذلك مع ظهور الدراسات حول التعلم الفردي والتعلم التنظيمي، ومن ثم أصبح التعلم التنظيمي شائعًا في فترة الثمانينيات والتسعينيات مع ظهور إسهامات الباحثين في هذا المجال وصولًا إلى قيام بيتر سينج بصياغة مفهوم المنظمة المتعلمة ونشره من خلال كتابه “المبدأ الخامس“[4]، وقد ظهر تياران في الدراسات المبكرة حول موضوع التعلم التنظيمي؛ حيث يركز التيار الأول على الاجراءات الروتينية الدفاعية التي يستدعيها أعضاء المنظمات في كثير من الأحيان والتي تمنع التعلم، في حين يركز التيار الثاني على كيفية قيام المؤسسات بترميز الدروس المستفادة من التجارب إلى إجراءات روتينية توجه الأداء المستقبلي، ويمكن القول أن التعلم التنظيمي هو مجال بحثي شائع حاز على اهتمام الباحثين من مجالات متعددة[5]، وهذا يرجع إلى اعتماد الباحثين على العديد من المدارس الفكرية خلال تطويرهم لموضوع التعلم التنظيمي، ففي فترة الستينات من القرن الماضي كان لنظريات التعلم أساسًا في النظرية السلوكية (Behaviorism)، ومن ثم تلتها النظرية الإنسانية (Humanism) في نفس الفترة، وبعدها أتت النظرية المعرفية (Cognitivism) في فترة السبعينات والثمانينات، ومن ثم تلتها النظرية البنائية المعرفية (Cognitive Constructivism) في فترة الثمانينات والتسعينات، ومنذ عام (1990) فصاعدًا هيمنت حركة ما بعد الحداثة (Postmodernism Movement) على التنظير والبحث في مجال التعلم[6]؛ حيث ازدادت وتيرة الدراسات حول موضوع التعلم التنظيمي مع بداية التسعينات من القرن المنصرم مع ازدياد الاهتمام بمصادر زيادة الإنتاجية (التي من ضمنها التعلم)[7].
مفهوم التعلم التنظيمي
يحدث التعلم التنظيمي عندما يتصرف الأفراد كوكلاء تعلم لصالح المنظمة، ويستجيبون للتغيرات في البيئة الداخلية والخارجية للمنظمة من خلال اكتشاف الأخطاء وتصحيحها، ومن ثم تضمين النتائج على شكل صور خاصة وخرائط مشتركة ضمن المنظمة[8]؛ حيث يبدأ التعلم مع الخبرة، ويقصد بالخبرة القيام بأداء مهمة محددة، وهنا تقوم المنظمة بتفسير هذه الخبرة لتحويلها إلى معرفة، وأشار الباحثين إلى أن الأنواع المختلفة للخبرات لها تأثيرات مختلفة على التعلم، فمثلًا يجب التعرف فيما إذا كانت الخبرة تم الحصول عليها مباشرة من قبل وحدة[9] معينة أو تم الحصول عليها بالاستفادة من خبرات وحدات أخرى[10].
يمكن أن يحدث التعلم التنظيمي في المنظمة بطريقتين: الأولى هي التعلم من تجارب المنظمة نفسها ويسمى التعلم الداخلي (internal learning)، والذي يمكن أن يحدث نتيجة للتجارب المتراكمة (cumulative experience) وكذلك العوامل التنظيمية المتعلقة بكل منظمة مثل النظم والاجراءات والاتصالات والقيادة وفرق العمل، والطريقة الثانية هي التعلم من تجارب المنظمات الأُخرى ويسمى التعلم الخارجي (external learning)، وهذا التعلم يمكن أن يكون على شكل تعلم فطري (congenital learning) عندما تتعلم الشركة الجديدة (بعد تأسيسها) من التجارب السابقة لشركات أُخرى ضمن الصناعة، أو تعلم بالنيابة (vicarious learning) حيث تتعلم الشركات (خلال عمرها التشغيلي) من تجارب الشركات الأُخرى، أو تعلم بين المنظمات (inter-organizational learning) عبر التحالفات الاستراتيجية والتعاون والمشاريع المشتركة[11].
التعلم التنظيمي _مثله مثل التغيير_ هو ظاهرة مستمرة، وعليه يمكن القول أن المنظمات هي منظمات متعلمة بطبيعتها[12]، والتعلم التنظيمي أيضًا يربط بين المعرفة والسلوك، وهذا ما يميزه عن المجالات المرتبطة مثل إدارة المعرفة ورأس المال الفكري[13] أي أن التعلم التنظيمي هو تعلم مستمر وعملية ثابتة أكثر من كونه مجرد حدث لمرة واحدة تبعًا لحاجة معينة للتغيير[14].

كما أن التعلم التنظيمي يتصف بالتنوع الواسع للتعريفات والمفاهيم التي استخدمتها أدبيات الإدارة لاختبار قضاياه[15]؛ حيث تعددت التعريفات التي أطلقها الباحثين على التعلم التنظيمي وذلك تبعًا للخلفيات الفكرية والأكاديمية لهؤلاء الباحثين. فقد تم دراسة التعلم التنظيمي من وجهات نظر متعددة مثل: علم الاجتماع (Sociology)، الفلسفة، علوم الاقتصاد والإدارة بشكل عام، وإدارة الإنتاج، التغيير التنظيمي، إدارة الابتكار والإدارة الاستراتيجية في علوم الأعمال بشكل خاص[16]، ومن هذه التعريفات ما يلي:
جدول رقم (8): أهم تعريفات التعلم التنظيمي
| اسم الدراسة | التعريف |
|---|---|
| Argyris, (1976) | عملية اكتشاف الأخطاء وتصحيحها |
| Senge, 1990 | الاختبار والمراجعة المستمرة للخبرات وتحويلها إلى معرفة تستطيع المنظمة الحصول عليها وتوظيفها في أغراضها الرئيسة، والتعلم التنظيمي يشير إلى استمرارية الموظفين في تعظيم قدراتهم الذاتية بتبني أساليب وأنماط التفكير النظمية من خلال وضع الأهداف الجماعية والتعلم بطريقة جماعية |
| Argote et al, (2020) | العملية التي يتم من خلالها تحويل خبرة أداء مهمة معينة (محددة) إلى معرفة يمكن استخدامها في إحداث تغيير في المنظمة مما يؤثر على أدائها المستقبلي |
| Scipioni et al, (2021) | عبارة عن عمليات خلق وتحويل واسترجاع المعرفة التي تسمح بحدوث التعلم في مختلف مستويات التعلم التنظيمي، وعليه فعملية التعلم تشمل التغيرات المعرفية والسلوكية المترابطة لدى الأفراد والتي يمكن إضفاء الطابع المؤسسي عليها (ترسيخها بشكل رسمي) من خلال مستودعات غير بشرية مثل: النظم، الهياكل، الثقافة والاستراتيجية في المستوى التنظيمي |
| Kaur and Hirudavaraj, (2021) | عملية الحصول على، استرجاع، تحويل وتجديد المعلومات داخل السياق التنظيمي. وهذه العملية تتأثر بعوامل داخلية (ممارسات الإدارة، العمليات، متغيرات النظام) وعوامل خارجية (التغيرات التكنولوجية، المنافسة، تغيرات السياسة، عدم التأكد في السوق). والمنظمة التي تقوم باستخدام عملية التعلم على المدى البعيد كآلية للتأقلم _ تساعد على إحداث تغييرات في البيئة الخارجية_ تُصبح منظمة متعلمة |
| Wiyana and Sriathi, (2021) | التعلم التنظيمي هو الجهود المبذولة من قبل الشركات والموظفين للحفاظ على وزيادة إنتاجية الشركة من خلال التكيف مع الظروف البيئية المحيطة التي تتسم بالتطور المستمر، فنظام التعلم التنظيمي الصحيح هو الذي يولِّد جو من الإبداع مما يسهم في تدعيم الكفاءات وتحقيق الأداء المتفوق. والتعلم التنظيمي أيضًا هو الجهود المبذولة من قبل الشركات لنشر المعرفة أو توفير التدريب للموظفين مما يساعد على تحسين جودة الشركة بما يتعلق بمؤشرات: أنماط مشاركة المعرفة، استكشاف المناخ التنظيمي، ممارسات التعلم، عقلية الإنجاز |
المصادر
المصدر الأساسي للمقالة هو /الفرحان، مهند. (2022). دور تقنية التحسين المستمر في عملية التعلم التنظيمي: دراسة تطبيقية على قطاع صناعة الأجهزة الكهربائية. رسالة ماجستير، كلية التجارة – جامعة المنوفية./ يمكن الحصول على الرسالة بالضغط هنا.
[1] Crossan, M. et al. (1995). Organizational learning: Dimensions for a theory. The international journal of organizational analysis, 3(4).
[2] ظهرت تسمية منحنيات التعلم للإشارة إلى ما عُرف لاحقاً بالتعلم التنظيمي.
[3] Argote, L. et al. (2020). Organizational learning processes and outcomes: Major findings and future research directions. Management Science, Articles in Advance.
[4] Doi, T. and Mai, N. (2020). Organizational learning and firm performance: a systematic review. International journal of productivity and performance management.
[5] Argote, L. et al. (2020). OPCIT.
[6] Patky, J. (2020). The influence of organizational learning on performance and innovation: a literature review. journal of workplace learning, 32(3).
[7] Argote, L. et al. (2020). OPCIT.
[8] Argyris, C. (1978). Organizational learning: A theory of action perspective. Reading, MA: Addison-Wesley.
[9] يمكن أن تكون الوحدة فرد أو مجموعة او المنظمة كاملة.
[10] Argote, L. et al. (2020). OPCIT.
[11] Bapuji, H. and. Crossan, M. (2004). From questions to answers: reviewing organizational learning research. Management learning, 35(4).
[12] Ifenthaler, D. et al. (2021). Digital transformation of learning organizations. eBook, Springer.
[13] Crossan, M. et al. (1999). An organizational learning framework: from intuition to institution. Academy of management review.
[14] Ifenthaler, D. et al. (2021). OPCIT.
[15] Martinez-Leon, I. and Martinez-Garcia, J. (2011). The influence of organizational structure on organizational learning. International journal of manpower, 32(5/6).
[16] Winbin, N. and Hongyi, S. (2009). The relationship among organizational learning, continuous improvement and performance improvement: An evolutionary perspective. Total Quality Management, 20(10).
المقالة التالية: مستويات التعلم التنظيمي


يمكن الاشتراك لتلقي آخر التدوينات فور نشرها بالإضافة إلى تحميل جميع محتويات المدونة الحالية عبر ملف مضغوط واحد:
*-يُرجى تفقد البريد الوارد أو البريد غير الهام والاشتراك لمتابعة المدونة، بعدها سيتم إرسال جميع محتويات المدونة برابط عبر البريد الإلكتروني المسجل به.





